المسافة بين الحياة والموت في الضاحية الجنوبية
عند عبور بوابة الضاحية الجنوبية لبيروت، انتابني شعور من الغرابة. غرابة استحضار الماضي.
لما انقض الرومان على القدس، لجأت مجموعة من اليهود الى قلعة "مسادا".
عندما شعر المحاصرون ان الأسوار ستنهار، فضلوا الانتحار على الاستسلام.
بهذا الزمن كانت المسافة بين الحياة والموت ضيقة. كانت الحياة مجرد مأكل ومشرب وانجاب، علاقات اجتماعية بسيطة، اقتصاد مختصر على تجارة بعض السلع والكماليات، صناعة حرفية، وزراعة اكتفاء.
عند الحصار زالت كل معالم هذه الحياة ولم يبق الا الموت.
اليوم العلاقات الاجتماعية معقدة ، اللهو على انواعه، الاقتصاد متشعب ومتداخل بين تجارة بلا حدود وصناعة متطورة، خدمات متنوعة، وأخيرا" عمليات مصرفية ومالية بلا نهاية.
اذا" المسافة بين الحياة والموت اتسعت، فالانتحار الجماعي والموت، لا يعنيان اليوم الموت الجسدي، بل يبدءا بانحسار كل هذه النشاطات الى ادنى مستوى منظور.
هذا ما استوقفني في عمق الضاحية الجنوبية في بيروت. وجوه قاتمة وخائفة، محال فارغة، مشاغل هادئة، اناس يتنقلون من لا مكان الى لا مكان . هذا هو الانتحار والموت النفسي قبل الجسدي.
ما هو السبب ؟ الشعور بالاستهداف والاستهداف فعلا".
ما سبب هذا الاستهداف ؟ فالخلاف على السلاح لم يأت ابدا" حتى الآن بسيارات مفخخة - وسائل الجبناء.
يبقى اذا" " الواجب الجهادي" في سوريا.
الكفاح ضد التكفيريين مبارك. ولكن عندما يقترن هذا الكفاح مع الدفاع عن نظام ، يطرح السؤال : من هو هذا النظام ومن هو هذا المكافح ؟
النظام معروف : هو البعث السوري المصبوغ بهوية طائفية علوية والمطعم ببعض الفعاليات السنية والدرزية والمسيحية والكردية . والجميع مستفيد. من ماذا؟ من نهب وتفقير واضطهاد شعب بأكمله منذ أكثر من اربعين عاما" . نظام بائس وبائد بكل المعايير السياسية والاقتصادية والاجتماعية وخاصة الانسانية.
المكافح معروف ايضا" : هم ابطال مقاومة همجية اسرائيل واغتصابها الاراضي اللبنانية والفلسطينية . هم احفاد الامام علي الذي قال : " ما ترك لي الحق من صاحب" .
هم احفاد الامام الحسين الذي ناضل واستشهد لمنع اضفاء الشرعية على ظلم يزيد ابن معاوية وعلى رفض يزيد المساواة بين البشر، هذه المساواة التي نص عليها القرآن الكريم.
هل اذن من المنطق والضمير والعقيدة ان يدافع هذا المكافح عن ذاك النظام ؟
الم يبق غير وسيلة لمحاربة التكفيريين ؟ حتما" نعم .
يبقى الجواب على السؤال الأول .
امين عيس
27/1/13