مغالطات السيد نقوله الشماس
في مؤتمره الصحفي ارتكب السيد شماس اربع مغالطات في الصراع الطبقي, و في الشيوعية, و في الاقتصادي الليبرالي, و في الوسط التجاري
قال السيد شماس انه لا يريد الصراع الطبقي. فهو على حق. فقد ولت حرب الطبقات و الثورات الدموية ولكن الطبقات لم تختف. لا يزال هنالك اثرياء, وطبقة وسطى وعمال أو ’بروليتاريا’ في القاموس الماركسي. وهذه الطبقات لا تزال على منافسة في ما بينها على ثروات البلاد. لكن المنافسة ليست صراعا" عنفيا". فالديموقراطية والفكر التنويري الإنساني يؤسسان لقواعد سلمية لهذا التنافس
هنالك فكرة راسخة في المجتمعات الحضارية, و لبنان رغم حروبه كلها, ينتمي الى تلك المجتمعات, ألا وهي فكرة التضامن. و يعني ذلك, في الأقتصاد الحر, الذي ينتج الثروات, ان على الثري ان يتضامن مع الفقير, من خلال اعطائه أجرا" منطقيا" و دفع الضرائب لتأمين الخدمات من اجل عيش وقور. و المطالبة بهذا الحق البديهي, عندما يصبح مهددا", يأتي من خلال التظاهر السلمي. ان هذا التظاهر, مع احترام القوانين و الملكيات العامة و الخاصة, يفرض نفسه عندما تخل السلطة السياسية بواجباتها الإجتماعية و الإقتصادية و الأخلاقية باتجاه هذا التضامن. ان التظاهر هو من صلب الديموقراطية و الحضارة و هذا ما حصل في وسط العاصمة. فالإعتداءعلى بعض المحال التجارية من قبل قلة من الزعران او اليائسين لا يفسد ابدا" جوهر الحراك
وان كان بعض الشبان, قد رفعوا الشعارات الشيوعية و الثورية, فعلينا قراءة هذه المنادات انطلاقا" من بعدها العفوي و الشعوري الذي اعتدنا عليه في كل الحركات الإعتراضية الإجتماعية. لم يطلب المتظاهرون شنق الرأسماليين و لا مصادرة أملاكهم. لم يزرعوا عبوات ناسفة و لم يغتالوا احدا". بل طالبوا بتغيير الطبقة السياسية الفاشلة و ليس بقتلها. إن الفكر الشيوعي هو قبل قوانينه التطبقية, نابع من هم إنساني محض, يطالب برفع الظلم عن الفقراء. تنسب للكاتب جورج برنرد شو المقولة التالية: "ان لم تكن شيوعيا" في العشرين من عمرك, فأنت بلا قلب, و ان بقيت شيوعيا" في عمر الأربعين فأنت بلا فكر". و هؤلاء الشبان في عمر العشرين و قلبهم يتسع للجميع. الم يمر السيد شماس بعمر العشرين؟
نعم, عندما يقول السيد شماس ان الشيوعية رحلت و لم تعد, فهو على حق. فتبين ان قواعدها التطبقية و فكرها الأقتصادي وهم لابل كارثة. فقد انتجت طبقه سياسية اقتصادية محدودة استولت على السلطة و على كل الثروات, و افقرت باقي الشعب حتى انهيار المعبد على رؤوس الجميع. لكن ان كان, الحل الشيوعي خطأ, فتشخيصه للأقتصاد الرأسمالي المفرط لايزال صائبا". ما هو هذا التشخيص؟ عندما يكون هم رأس المال الوحيد هو اغذاء نفسه و تفاقم رصيده الى ما نهاية, يعتمد على وسيلتين, زيادة الأنتاج و خفض كلفته (و مؤخرا" الخذعبللات المالية). فخفض الكلفة يعتمد خصوصا" على خفض الأجور الى حد يصبح الأجر يؤمن للعامل سبل اعادة انتاج نفسه و ليس اكثر. بمعنى اخر, ان راتب الأجير يكفيه فقط لتفادي الموت من الجوع و البرد.اما نتيجة زيادة الأنتاج و انعدام قدرة الطبقة العاملة او الأجيرة, وهي الأكبر عددا", من الأستهلاك, فيوصل الى تكدس الأنتاج دون تصريفه و بألتالي الى انهيار الأقتصاد. فالأقتصاد الرأسمالي هو الوحيد الذي برهن عن قدرة في انتاج الثروات الخاصة و العامة. لكن, ان تخلى هذا الأخير عن مبدأ اعادة توزبع قسما" من الثروة من خلال رفع الأجور بشكل منطقي لا دماغوجي و تأمين الخدمات الأجتماعية من خلال نظام ضريبي عادل للمكلف و المستفيد, هوى الأقتصاد. لم تصل الحالة في لبنان الى هذا الحد, لكن نتجه اليها لأن السلطة السياسية تخلت عن دورها التوجيهي و ظيفتها المعنوية لدق ناقوس الخطر.
اما عن الأقتصاد اللبرالي الذي يتغنى به السيد شماس, فهو بذلك ايضا" على حق. لكن ليته يعيد قراءة كتاب ’’ثروة الأمم’’ لأدم سميث مؤسس اللبرالية. فيقول أدم سميث ان خفض الضرائب و تحرير الأقتصاد و ’’اليد السحرية للسوق’’ هم كفلاء بانتاج الثروة و النمو المستدام. لكن السيد شماس اغفل مقدمة فكر أدم سميث. فهو قبل ان يكون اقتصاديا" هو كاتب اخلاقي. فهمه الأول بهذه الصفة هو العدالة الأجتماعية و المساوات بقدر المستطاع. فبالنسبة إليه اللبرالية وسيلة في خدمة الغاية و هي العدالة و المساوات. فمن ينتج الثروة يجب ان يكافأ و يميز بثروته شرط اعادة توزيع بعض من هذه الثروة من خلال الأجور و الضرائب المنطقية لتمكين الأجراء من نيل حياة كريمة عن طريق الخدمات و الطبابه و العلم النوعي, و القدرة الأستهلاكية. و دون هذه الشروط لا أقتصاد لبرالياي. لا نتبع في لبنان نظاما" رأسماليا" وحشيا" كما في الصين, لكن عذرا" يا سيد شماس انت ليس لبراليا"
و اخيرا" عن الوسط التجاري. يعترض السيد شماس على المظاهرات و ما اتنتجت من شلل. فهو على حق بما يخص الشلل, لكن قبل المظهرات كانت الأزمة السياسية في لبنان وعدم اكتراث الزعماء بقضايا الناس, قد خنقا الأقتصاد و واجهته الباهرة, أي الوسط التجاري. فنفتخر به, عالمين ما يدخر للبنانين. لكن شاءت الصدف ان تجاورت السلطة السياسية بالسلطة الأقتصادية في بقعة جغرافية واحدة. فالسرايا الحكومية و مجلس النواب هما في قلب واجهة رأس المال اللبناني. فأين يريد السيد شماس ان يتظاهر الناس؟ امام القصر الجمهوري الذي تسكنه الأشباح؟ او في الملعب البلدي, بعيدا" عن اضواء الأعلام واعصاب الحكام؟ وان صدرت عن المتظاهرين بعض الشعرات المنددة باصحاب هذا الرأسمال, ألم يكن سببه هذه الجيرة بينه وبين السلطه السياسية و خلط المصالح في ما بينها على حساب العباد؟
لا يريد احدا" ان يصبح الوسط التجاري ’’ابو رخوصة’’ لكن الأغلى, يا سيد شماس, هو المواطن و حقه
امين عيسى
10/1/2015