Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
citoyen libanais
28 août 2016

هل " ولاية الفقهاء التعيينية المطلقة " من أهل البيت ؟

 

Source: Flickr

 

 

في القرن السادس عشر استولى الصفويون على الحكم في ايران ، فجعلوا من المذهب الشيعي دين الدولة . لم يكونوا متمكنين من الفقه و العرفان الشيعين فاستعانوا بعلماء جبل عامل المتسعة علومهم و من اشهرهم  الشيخ لطف الله .فصاهره الشاه عباس و سمّى جامعه الخاص باسم العالم . شُيّد هذا المبنى في مدينة أصفهان و هو من أجمل العمارات الإسلامية، بل الدينية عامّة في سائر المعمورة .عند أول زيارةٍ له صادفني وجود شابة و شاب حيث بادر الأخير بإنشاد أغنية من اعمال محمد رضا شاجيان . طبعاً ، لعدم معرفتي بالفارسية لم أفهم الكلمات ، لكن اللّحن و الوضع النفسي للشاب الظاهر على ملامحه ، أفهماني أن لغنائه طابع ديني . حينها ، أنا المسيحي الثقافة و العلماني الممارسة و االلاأدري القناعة ، شعرت بالإقلاع عن الدنيا ، و تخطت نظراتي الحاجز الحجري لقبة المسجد الساحرة ، نحو فضاء لا اعرف حدوده .

اواخر القرن السابع عشر ظهرت حركتان دينيتان مسلمتان . الحركة الاولى قام بها الداعية محمد عبد الوهاب . و الثانية كانت الحركة    "الأصولية " الشيعية في ايران و العراق . لا تشابه او مقارنة بين عقائد هاتين الحركتين ، الا في الظرف السياسي الا وهو بدء تراجع المركزية السلطوية للإمبراطورية العثمانية . فالفراغ الإستبدادي سمح لأفكار جديدة أن تنشأ بمعزل عن تقويمها ، و الإشارة هنا إلى مصادفة مرحلة النشوء للحركتين ، هو فقط للتركيز على أهمية الظروف التاريخية و تأثيرهاعلى الحركة الفكرية ." فالأصولية " تبنت مبدأين أساسيين . الأول الاستعانة بالعقل و رفض القراءة الحرفية للنصوص مثلما كان متبعا" عند الشيعة " الإخبارية " . و المبدأ الثاني هو متحدر من الاول و هو أن على الشيعة ، في غياب المهدي المنتظرو الذي بظهوره سيرسو العدل في الدنيا ، لا بد ان يتدبروا امورهم لرفع الظلم و الغبن على اقل تقدير (1) .

و من هنا بدأ مشوار نظرية " ولاية الفقيه " .لم تكن منذ البداية مثلما أرساها الإمام الخميني الراحل . و خلال اكثر من قرن و نصف قرن عرفت تغيرات لُبُّها دور ، أصول تسمية ، و صلاحيات الفقيه . من النصح للحاكم ، إلى تفرد الفقيه بالتحكم ببعض أمور الناس منها الحسبية ، إلى إرثاء الشرعية للحاكم تحت شروط  ، إلى أخيرا" السلطة المطلقة للفقيه . و تعرف هذه النظرية الأخيرة الخاصة بالإمام الخميني  بــ "ولاية الفقهاء التعيينية المطلقة التعيينية" ، أي أن موقع الفقيه الوالي هو رغبة الائمة المعصومين . و المطلقة ، لإدارة عامة شؤون الرعية  السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية ، إضافةً للمسائل العبادية (2) .

ومثلما ذكرت أنِفاً، هذا الإبتكار اعتمد على العقل . لكن ليس العقل المجرد فقط ، بل ايضا" على تفسير النصوص و التاريخ .فهل التفسير واحد ؟ الجواب كلا ، فمنذ ورود  النصوص و التاريخ ،  هنالك تفسيرات مختلفة . و الخلاف ليس عداوة .

و بالعودة الى البداية ، اختلف المسلمون على من يخلف الرسول . فقال الشيعة ، ان الإمام علي كان قد عُيِن من قبل الرسول ليخلفه ،  فرفض السّنة ذلك .و لا تزال هذه المسالة جوهرية في الخصام حتى يومنا  بين المذهبين . وأما ما يخص بحثنا هذه المسالة  تبقى ثانوية لأن ما ينورنا ، هو موقف الإمام علي من السلطة عموماً.

فعندما فارق الرسول الحياة ، إجتمع بعض الصحابة و الأنصار في سقيفة بني سعدة ، بغياب الإمام علي ، و بايعواالشيخ ابي بكر الصديق خليفة للمسلمين . يقول الشيعة إن الإمام علي قد أُبعد عن غاية، لمنعه من نيل البيعة . فإن كانت الرواية، و نية المجتمعين هذه صحيحة ، فليست أهم مما كان يقوم به الإمام في تلك الاثناء . فمن المستبعد أن يكون أول من اعتنق الإسلام بعد السيدة خديجة ، أبن عم و صهر الرسول ، رفيق الدرب ، الأعلم بإعتراف الجميع بأمور الدين ، صاحب الشعبية الواسعة ،  لم يعلم بالإجتماع الحاصل في السقيفة داخل المدينة الصغيرة الحجم .لكن الإمام علي لم يكترث في هذا الوقت للأمور السياسية و الدنوية . فالرسول على موعد مع الخالق ، لرؤيته و الجلوس جنبه . فاهتم الإمام  بغسل  جسد الراحل قبل الموعد المقدس ، ريثما صفاء اللقاء يغمر بنوره ، من احبه الله و جعله رسوله و من واكب الجليل حتى لحظة العبور من  الدنيا .

لم يدّعي الإمام علي العفّة عن الحكم ، فهو إنسان وأورث الله الأرض للإنسان، جاعله خليفته على الدنيا التي خلقها لأجله .فعاد الإمام الى شريعة الله التي اوصت بالشورى ووأد الفتنة و إرساء العدالة و المساواة واحترم شورة المسلمين . فمن بعد أبي بكر، عمر و عثمان ، نال البيعة .

الإسلام رسالة لكن سائر البشر ليسوا برسل . اشتدت رغبة الأمويين بالسلطة حتى وصلت بهم الى مواجهة علي عسكريا" في صفين ، فذهب الإمام الى المعركة على مضد . و بعد بدئها و ترجيح الكفة لفريقه ، استعان اعداؤه بمكيدة رفع المصافح .وهنا تتجلّى عظمة الإمام. الم يشتبه  المخطط الماهر ، الكرار ، بالخدعة ؟ بالتاكيد نعم ، لكن عند فرصة وقف إراقة الدماء ، لم يتناو ولو على حساب سلطته ، وكان يعتبر ان اللجوء الى العنف لن يكون الحل لإرساء مبادئ الإسلام، وأن للمجادلة " بالتي هي احسن " (النحل –125) لم تنفذ بعد كل امكاناتها .

عند هذا المفترق واجه الإمام معارضة من بعض أنصاره ، الذين سيُعرفون بالخوارج . فاعتبروا أن المعركة يديرها الله و قرر منح الانتصار لجيش الإمام . فممنوع عليه وقف القتال مهما كانت عواقبه ، مستشهدين بالاية الكريمة  " إن الحكم إلا لله  " (يوسف 67)، فكان جواب امير المؤمنين قاطع و بدون لبس " كلمة حق يراد بها باطل " .

ما معنى هذا الكلام الرائع التأسيسي الموحى من روح القران ؟ طبعا ، الله هو السلطان العلي خالق الارض و السماوات و البشر . هو الذي "سحيكم" سيفصل بين الناس يوم القيامة ، و هذه هي كلمة الحق . لكن ، ولا بأي شكل ، "يحكم" ، اي يقود او يدير امورنا ، و هذا هو الباطل ، هو المعتلي على عرشه دون هذه الدنيا ووهنها و إثمها و صغائرها و كبائرها .

أُستشْهد الإمام علي ، الأمين على رسالة الله ،على أيدي الخوارج و هو يصلي في المسجد ، فرداً بين أفراد الأمة السواسية .

ثم اتت واقعة كربلاء ، واستشهد الإمام الحسين . فعندما توجه الحسين من المدينة الى مكة لتلقي بيعة اهلها ، كان يرافقه اثنان و سبعون فرداً بمن فيهم النساء و الاطفال .و تقول الروايات ان أهل الكوفة نكروا العهد و لم ينصروا الإمام . فواجه الحسين في كربلاء جيش يزيد المؤلف من ثلاثين الف جندي .حيث قطعت عليه الطريق فطلب العودة بسلم الى المدينة ، قُبل الطلب بشرط مبايعة يزيد .ومن البديهي ان يرفض الإمام اعطاء الشريعة لهكذا انسان كان بكل تصرفاته ، يخالف جميع تعاليم الإسلام ، فوقعت المواجهة و استشهد  الحسين.

عند خروجه من المدينة كان يعلم الحسين ان اهل الكوفة لن يؤازروه ، فحزب الخوارج فيها هو الغالب .و لم يصطحب معه الّا القلة من الأنصار . طلب الشهادة لوحده لوقف الاقتتال و منع الفتنة لأن من  " احياها { النفس } كأنما احيا الناس جميعا "  ( المائدة 32)، فتوجه لصحبه قائلا " ألا و اني لأظن يومنا من هؤلاء العداء غدا ، ألا واني قد أذنت لكم جميعا فانطلقوا في حِلّ ، ليس عليكم مني حرج و لا ذمام  " (3) . نعم لا حرج و لا ذمام لإحياء النفس .

ماذا أراد الحسين طوال حياته ؟ " و إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي ، اريد أن أمر بالمعروف وأنهى عن المنكر فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ، و من رد عليه هذا أصبر حتى يقضي الله بيني و بين القوم بالحق، و هو خير الحاكمين " .اذاً ، الإصلاح و الحق بمن قابله بقبول الحق ،او الصبر، او مثلما أوصى لخليفته ابنه علي زين العابدين " القائم بأمور الدين الهادي الى صراط مستقيم و الحافظ لعلوم ابي و جدي " بالهدى و ليس بالاكراه (4) . فالسلطة لمن يصلح و يعدل و ينقذ النفس و الا الصبر . لكن الصبر ليس الاستسلام للباطل ، و الهداية ليست التزلف و الحق هو عكس الذل .  " فهيهات منا الذلة " و لو طال الزمن ، لأن في نهاية الامر " خاب كل جبار عنيد "  (ابراهيم 15).

لم يطلب الإمام الحسين السلطة بأي ثمن و لم يطلبها من بعده الائمة التسعة .فالمحاولات الإنقلابية والإمارات التي شيدت باسم أهل البيت :  الزيدية في طبرستان و في جنوب الجزيرة العربية ، انتفاضة محمد النفس الذكية ،  يحي بن عبدالله بن حسن ،  حسن بن زايد ،  يحي ابن عمر ، و حتى الفاطميين و الاسماعليين و القرامطة ، لم يكونوا من أتباع الائمة و لم ينتفضوا برضائهم (5) . وعندما عرض الخليفة المأمون السلطة على الإمام الرضا رد له الطلب (6). فلم يكترث الائمة بالسلطة وفضلوا أن يكونوا الوجدان الحي للأمة و منارة للعدل حين انكفائه .

في القرن الثامن عشر بدأ عرش الاضطهاد و الذل يترنح في العالم بأسره . فبرزت الحركة " الأصولية " في الوسط الشيعي، تدعو الى نقد الحرمان . و مثلما رأينا رغم كثرة الاطروحات ، انتصرت في نهاية الطريق "ولاية الفقهاء المطلقة التعيينية" ، فالوالي المطلق الصلاحيات يستمدها من الائمة مثلما ذكرنا . و يؤكده أصحاب هذه المنظومة ، فالننظر اليها بعين الائمة .

المشورة في زمن الإمام علي هي الانتخاب اليوم. هل استثنى الإمام علي احدا" من الشورة او رفض ترشيح من سبقه الى الخلافة ، بمجرد الاختلاف بالراي؟   الم يقل " قارع الرأي بالرأي فينجلي الصواب " ، عند الفتنة هل علّق الإمام علي المشانق أم سارع الى وأدها ؟ عندما استشهد الحسين ارادها لوحده . الم يوفر الموت لشعبه والدمار لممتلكاته و طالب بالصبر ؟ عن الحكم المطلق الم يقل الإمام علي " من استبد برأيه هلك " ، الم يقل ايضا " ما ترك لي الحق صاحب " ؟ طبعا" محاربة داعش و توائمها مسالة مسلم بها . لكن لا سبيل للمقاومة الا بصداقة من نقد الحق لنصف قرن ؟ " هيهات منا الذلة " ، كلمة ثورية و انسانية لأن الله لم يخلق الإنسان لُيذل .فللذل معان و تجليات . الإحتلال ذل ، و يحي الله من استشهد لدحره . لكن الفقر،  العوز ، السكن المقتظ ، البيئة الملوثة ، البطالة و ما بنتج منها من رذائل،  العلم دون المستوى و الطبابة الركيكة ، كليهما باغلب الحالات بالاستزلاف و المنة و الواسطة ، و الإتكال على اموال الغير ، ليسوا ذلة ؟ الا نستحق القدر الأكبر من طاقاتنا المادية و البشرية بدل ذهابها سدى من أجل طموحات الاخرين ، الذين اتوا بالويلات على شعبهم لنفيهم الحق ؟ اين إحياء النفس من كل هذه الذلات ؟

في البداية أشرت الى الجهد الفكري الشيعي منذ اواخر القرن السابع عشر و بعضاً مما طرح في القرن العشرين إن في زمن غيبة المهدي صاحب الزمان و الرأي الفاصل لعصمته ، نظرا للتغيرات ، افضل وسيلة لرأب الهاوية بين المنشود و الممكن هي أن  " في عصر غيبة المعصوم تملك الامة الولاية على مقدراتها في اطار الشريعة الإسلامية ، و الإنسان مسؤول عن نفسه و المجتمع ولي نفسه . و ذلك بسبب ان الامة حاكمة على مصيرها و مقدراتها و تنتخب شكل النظام السياسي على اساس الشورى في جميع المراحل . و لا يعتبر الفقه شرطا" لرئيس الدولة الإسلامية المنتخب" (7).  فهي اذن الشورى مثل ما أرادها و مارسها الإمام علي . الشورى المتقدمة على الديمقراطية اليونانية، التي كانت تستثني بعض الفئات من حق الانتخاب . هذا الحق العام  الذي كرثه الإسلام من خلال التساوي المطلق بين الناس ، فهي الشورى ،اي في القاموس السياسي الحديث الديمقراطية. فعندما ذهب الشيخ محمد عبدو الى فرنسا و رغم انتقاده الأستعمار و الأستكبار الغريببن الم يقل " رايت الإسلام و لكن لم ارى مسلميين" ؟ . و الشيخ محمد عبدو هو من دون اجمل تفسير لنهج البلاغة .

إن من وضع هذه الاطروحة الاخيرة هو الشيخ محمد مهدي شمس الدين و القليل يعلم بها " فالناس اعداء ما جهلوا " (الإمام علي ) ، و بمجرد ذكر اسم الشيخ شمس الدين ترتفع اصوات التنديد .لا بأس ، عند اهل الصبر " الاعتراف بالخطأ هي شيمة الأقوياء دون الضعفاء  (الشيخ محمد جواد مغنية-8 ).

لا بأس ، ربما حان زمن العودة الى العامليين اللبنانيين مثلما كان عند سفر الشيخ لطف الله الى بلاد الصفويين لتنويرهم .

أمين عيسى

28-8-2016

 

The Emergency Of Modern Shi’sm, Zackery M.Heern, Oneworld.1

 دار الجديد.  , محسن كديفر، نظريات الحكم في الفقه الشيعي .2

قصت كربلأ، نزري مفارد، دار المحجة البيضأ. .3

مصأب أل محمد ، محمد الأشترادي ، دار الكاتب العربي. .4

Les cadis d’Irak et l’état abbasides, Mathieu Tillier, Ifpo .5

L'état impérial des califes abbassides, Dominique Sourdel, PUF .6

نظام الحكم و الأدارة في الأسلام ، محمد مهدي شمس الدين ، دار التعارف. .7

فلسفة الأخلاق ، محمد جواد مغنية ، دار التيار الجديد. .8

 

ا

Commentaires
citoyen libanais
Newsletter
Archives