الاستقلال الداخلي للمواطنين عن الطائفيّة والزبائنيّة والفساد
عندما انتزع لبنان استقلاله عن المنتدب الفرنسي ورثنا منه طبقة سياسية ودستوراً أدّيا إلى احتلالين، واحد داخلي والآخر خارجي.
أورثنا المنتدب طبقة سياسية سلوكها مستمدّ من زمن الإمبراطوريّة العثمانيّة: إقطاع وزبائنيّة وفساد.
أمّا الدستور فكان مدنياً إلا أنّه تضمّن تنازلاً من الدولة للطوائف في توزيع المناصب السياسيّة وفق الفرز الديني، وقيل وقتها إنّ ذلك لفترة موقّتة.
وسلّم الدستور كلّياً الطوائف إدارة أحوالها الشخصيّة في تناقض فاضح مع روحيّة الدولة المدنيّة وبالتالي المواطنة كهويّة جامعة للبنانيّين.
هذان التنازلان أفضيا إلى احتلال الطوائف للدولة كلّياً وتفريغها من شخصيّتها الحياديّة تجاه حقوق المواطن وواجباته.
وعندما اعترض المسلمون على امتيازات المسيحيّين ودافع عنها هؤلاء، لم يكن لا الاعتراض ولا الدفاع من أجل الوصول إلى دولة مدنيّة مواطنيّة حاضنة لجميع أبنائها ليكونوا متساوين في الحقوق والواجبات، إنّما كانا للحفاظ على امتيازات زعماء الطوائف ونهجهم القائم على الزبائنيّة والمحاصصة والفساد.
أصبحت الدولة دولة طوائف لا دولة قانون، وعرضة للاهتزاز وواهية أمام أيّ خلاف داخلي يحكمه مزاج الزعامات ومصالحها وليس المصلحة العليا للوطن والمواطنين.
هذا الانحلال الداخلي فتح الباب على مصراعيه أمام التدخّلات الخارجيّة دعماً لتلك الطائفة أو لغريمتها في سعي كل منها لتحقيق مكاسب إضافيّة. وانتهى بنا الأمر باحتلالين هما السوري والإسرائيلي.
إلا أنّ يقظة المواطنين وعنادهم وروح قضيّتهم وعشقهم للحرّية... كل هذا أنهى هذين الاحتلالين الخارجيّين.
واليوم، المواطن نفسه قرّر أن يستقلّ عن الاحتلال الداخلي للطوائف كي يعيد التنوّع إلى مفهومه الإيجابيّ ويبني دولة القانون والمواطنة.
مهما تعنّتت "الأحزاب-الطوائف" لإنقاذ نفسها ونظامها، ويا للأسف على أنقاض المصلحة العامة، ومهما طال الزمن وكبرت التكلفة، فإنّ ما انفجر في "17 تشرين" هو زلزال ناجم عن وعي تراكمي متجذّر نفسياً في المواطنين لن ينحلّ بتعويم سلوكيّات الإقطاع والزبائنيّة والفساد التي انتفت فعاليّتها.
امين عيسى
25/11/19