Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
citoyen libanais
29 juin 2022

منطلقات للنوّاب التغييريّين

9 من نواب التغيير سيتوجهون ككتلة واحدة الى القصر الجمهوري... | LebanonFiles

 

فشل النخبة السياسية في لبنان في إنتاج قواعد حوكمة سليمة مردّه إلى تفكّك المجتمع الذي تعمّدت أحزاب الطوائف حصوله. واليوم فقط، بإمكان كل من كتلة النوّاب التغييريّين، على الرغم من حجمها المتواضع وأحزاب المعارضة التي لم تشارك في السلطة، إعادة ربط أوصال المجتمع وبناء الدولة الفاعلة.

 

نظامنا ومرض تفكّك المجتمعات

صحيح أنّ نظامنا ديموقراطي برلماني ولديه المؤسّسات الدستورية الضامنة لتطبيقه. لكن واقعياً لا تُحترم آليّات عمل هذه المؤسّسات إلا شكليّاً وتُتخذ القرارات وفق آليّات مختلفة تماماً. 

 وما يحصل أنه إمّا أن يفرض "الأقوى" بسلاحه و/أو بقدرته الشعبيّة، بتحالفاته الداخلية والخارجية رأيه وقراره، مع العلم بأنّ هذا "الأقوى" يتبدّل وفق الظروف الداخلية والإقليميّة، أقلّه منذ اتّفاق القاهرة إلى اتفاق معراب، وإمّا أن يتم اتّخاذ القرار بالتراضي بين الأفرقاء بمنطق المحاصصة الطائفيّة والسياسيّة حيث يكون المعيار مصالح الفرقاء لا المصلحة العامة.

 إنّ هذا الالتفاف على ماهيّة المؤسّسات الديموقراطية التي تقوم على جعل الأفراد في كلّ دولة هم المقرّرين في إدارة المجتمع بكل جوانبه، لا يقتصر على لبنان فقط بل إنه معضلة تصيب الكثير من الدول المصنّفة "حديثة" بالمعنى السياسي. والمقصود هنا المجتمعات الديموقراطية القائمة على "حرية الإنسان"، صاحبة المؤسّسات الدستورية القائمة على العدالة وخدمة المجتمع والتي أقرّت بأهمّية التكنولوجيا ودور السوق في الاقتصاد (كالمنافسة) لتأمين النموّ وتحسين جودة الحياة. هذه المجتمعات رفضت القدريّة أو العقائد الشموليّة والاستبداد بأشكاله التي تلغي الفرد كعنصر فعّال في المجتمع اقتصادياً وسياسيّاً، وتُمكّن "جشع" مجموعة محدودة من الناس من استعباد الأكثرية وإلغائها سياسيّاً والاستئثار بكل الموارد. 

 لكنّ "الجشع" بقي في المرصاد. فهذه المجتمعات اعتبرت أنّ الديموقراطية مكسب نهائي ولم تتنبّه إلى أنّه لا يجوز اقتصارها على آليّة انتخاب الحكّام بإرادة كل فرد من دون مراقبة سياسات هؤلاء الحكّام لجهة ما إن كانت تخدم المشروع المشترك للمجتمع وليس الاكتفاء بتقييم هذه السياسات انطلاقاً من مصلحتهم الفردية. 

 وكذلك باستعمال التكنولوجيا الحديثة من منطلق المنفعة الخاصة من دون الاكتراث لانعكاساتها على البيئة أو على الوظائف. 

 وكذلك في الاقتصاد حيث السوق الضرورية للنموّ، تمكّن أكبر عدد من الناس من الاستهلاك. لكنّ غياب النظرة الشاملة لحسن تقاسم النمو/الثروة من خلال الضرائب العادلة أدى إلى تنامي الفروقات ووضع فئات بأكملها على هامش المجتمع.

يختصر شارلز تيلور هذه الظاهرة بـ"تفتيت (atomisation) المجتمع". من هنا انتقلنا من مجتمعات حيث كان المستبد شخصاً بمفرده أو مجموعة صغيرة، إلى مجتمع مكوّن بأكمله من مستبدّين، يسقط بعضهم خارج المعادلة ويعود إليها وفق الظروف.

 وفي لبنان، نشهد الظاهرة نفسها لكن مع بعض الفروقات. فهنالك تداخل بين اللبناني المستبدّ والطوائف المستبدّة. تحكم كلاً منهم الأنانية مع غياب المشروع المشترك. وكل قراراتهم، إن كان لجهة الفرد بإدلاء صوته أو الطائفة في السلطة، لا آفاق لها إلا تلبية الجشع الفردي.

 

 


"#17 تشرين": الوعي الجماعي والطرح

أظهرت انتفاضة 17 تشرين أنّ عدداً وفيراً من اللبنانيّين، لديه أوّلاً نظرة مشتركة توفّق بين احترام ماهيّة الفرد وحرّيته والمشروع المشترك، بعيداً من الأنانيّة المفرطة والاستبداد باسم الدين أو العقيدة، ورفض ثانياً ما آل إليه نظامنا الديموقراطي البرلماني الذي خسر كل ميزاته وفق ما ذكرنا أعلاه. 

ورغم كل الصعوبات والترهيب والقمع والتخبّط في السياسة والتنظيم والنزاعات الفرديّة نجح اللبنانيون في إيصال عدد من النوّاب لمقارعة التفكّك الاجتماعي و"تفتيته" وإعادة تسيير المؤسّسات وفق وظيفتها الأصليّة. 

 من هنا نتمنّى على النوّاب التغييريّين: 

 إعلان رؤيتهم الاقتصادية والاجتماعية بتبنّي نظام الاقتصاد الحر ولكن العادل في توزيع الثروات وفي المحافظة على البيئة؛ 

وإعلان رؤيتهم للنظام، أي الخروج بالتدريج وبخطوات ثابتة من النظام الطائفي الذي يستعبد الإنسان للزعيم ويفتّت المجتمع إلى عصبيّات متخاصمة، والدخول تالياً في عصر الدولة المدنيّة؛

 وعرض آليّة للاستراتيجيّة الدفاعيّة لإعادة السيادة الداخلية والخارجيّة للدولة حصراً بما يضمن حماية فعّالة للأراضي اللبنانيّة والمواطنين بدلاً من تفرّد طائفة أو حزب في طائفة بهذا الواجب الأمر الذي يمسّ المساواة في الحقوق والواجبات معاً، وأيضاً يفتّت المجتمع.

 هذا التمنّي ليس موقفاً عقائدياً بل هو استنتاج ممّا تتعرّض له المجتمعات الحديثة من تفكّك وعودة إلى الاستبداد بمظاهر مختلفة وضرورة إعادة ربط أوصال المجتمع. ومن ثم الانكباب على تقديم مشاريع ومعارضة مشاريع تخدم هذه الرؤية من دون التوقف، إلى ما لا نهاية، للتأكّد من صوابيّة المشروع لأنّه لا أحد يمتلك الحل المثالي. 

النوّاب التغييريّون: الترجمة السياسيّة للوعي

ومن الأفضل ألا يدخل النوّاب التغييريّون في الصراعات السياسيّة لأحزاب الطوائف مجتمعة. فهؤلاء، على الرغم من خلافاتهم، يتشاركون في تفكّك المجتمع. التنسيق ولو مع الشيطان ككتلة واحدة، لا كأفراد، ضروري لتقديم مشاريع أو لمعارضتها، لكنّ ذلك يختلف عن الدخول في ألاعيب التوازنات السلطويّة لأحزاب الطوائف.

 إن لدى هؤلاء النواب مسؤولية تختلف بطبيعتها عن مسؤولية باقي النواب. فالآخرون نجحوا بأصوات مناصريهم. رغم الأزمة، من صوّت لهم لا يزال متمسّكاً بالحماية الطائفيّة الوهميّة أو نزولاً عند رغبة عائلية أو بتصويت تقليدي أو للاستفادة من المنح الزبائنيّة أو عن قناعة عقائديّة. 

 أمّا التغييريّون فقد أتت أصواتهم، بأغلبيّتها، من مواطنين عبّروا في 17 تشرين عن وعيهم السياسي بضرورة إنهاء النظام الطائفي الكارثي والذهاب إلى نظام علماني ديموقراطي وهوية تكون أوّلاً المواطنة. 

 وفي حالة الناخبين الأوَل تطغى العاطفة أو الخوف أو التمسّك بالتقاليد والبحث في العقائد عن أجوبة نهائيّة لكل مشاكل الحياة. أما في حالة المقترعين للتغييريّين فقد كان هناك أيضاً دور للتعاطف مع مآسي الناس والغضب من الجريمة المتمادية منذ 30 عاماً والتي بلغت ذروتها في 4 آب، ولكن كان هناك أيضاً دور للعقلانية في قراءة الحاضر والمستقبل أو بالأحرى لما يجب القيام به لرسم مستقبل مختلف عمّا تعدنا به، من دون خجل، أحزاب الطوائف. 

 من هنا تختلف مسؤولية النواب التغييريّين أمام ناخبيهم. فبينما الكذب والشعبويّة و"السفسطة" في خطاب أحزاب الطوائف... لا يُحرج ناخبيهم إلى حدّ معاقبتهم، سيحجب أي تلكّؤ من النوّاب التغييريّين لجهة رفضهم السير في المحاصصات وعدم طرحهم لآليات التغيير، سريعاً ثقة ناخبيهم، وستكون مسؤوليّتهم أكبر بالمساهمة في تدمير ما بقي من لبنان لأنّهم اليوم الأمل الوحيد لإعادة تصويب المسار.

 السَنَدان للنوّاب التغييريّين هما، أوّلاً رؤيتهم المختلفة عن أحزاب الطوائف لحوكمة البلد، وثانياً الرأي العام. 

 

إنّ دعم هذا الأخير (وثقة ناخبيهم) هو أساس إنجاح مشروع إعادة بناء المجتمع المتفكّك. فانطلاقاً من أنّ بناء أيّ مجتمع منشود يبدأ دائماً بفكرة تتبلور ويتوسّع آفاقها في ظلّ التطوّر التقني المرافق لها، نجد أنّ الرأي العام هو من أيّد أو قاد التحوّلات الجذريّة للوصول إلى هذا المجتمع. هذه حقائق ترافقنا منذ أكثر من 3 قرون حتى اليوم وفي كل القارات والثقافات مع التفاوت بالنجاحات والانتكاسات وتبدّل الوسائل نظراً إلى التطوّر الفكري والعلمي.

 وعلى الرأي العام أيضاً عدم التجنّي على هؤلاء النوّاب كلّما أخطأوا في مخطّط ما. المهمّة تتعدّى قدرتهم على السير في سبيل الإصلاح من دون أخطاء، وليس على الرأي العام أن يستبدل عدم قدرته على معاقبة من دمّر المجتمع بالتصلّب تجاه النوّاب التغييريّين ومن سيرافقهم من أحزاب تغييريّة في السنوات المقبلة. 

  • المهمة صعبة لكنّها ممكنة منذ 17 تشرين و15 أيّار.
Publicité
Commentaires
citoyen libanais
Publicité
Newsletter
Archives
Publicité