Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
citoyen libanais
4 juin 2020

لبنان من الاقتصاد الريعيّ إلى المنتج... شرطان داخلي وخارجي لتحقيق النموّ

 

Source: Flickr

المنتج بينإدارته على قاعدة "إجماع واشنطن" أو "إجماع بكين" وبينهما كل ألوان الليبرالية والاشتراكية. ولكن الأهمّ يبقى العلاقة بين الاقتصاد والسياسة، العامل الأكثر تأثيراً في أي نموذج أو اقتراح اقتصادي لجهة نجاحه أو سقوطه.

قبل الثورات الصناعيّة، والأفكار التنويرية في ما خصّ الأنظمة السياسيّة ومكانة الإنسان في المجتمع، كان الاقتصاد، أي الإنتاج والتجارة وتكوين الثروات، قائماً على الأسس التالية:

الزراعة، وهي أهم قطاع لتأمين استمراريّة الحياة والأجيال.

الصناعة، وكانت حِرَفيّة لإنتاج المستلزمات البديهية للحياة مثل الأدوات المنزلية والزراعية والسلاح والملبس. أما أي إنتاج من الكماليّات فكان مخصصاً للأثرياء.

الملكيّة الخاصة، وكانت تتوزّع انطلاقاً من مكانة الشخص. فالنبلاء بالولادة هم المالكون الوحيدون، أما الفلاحون فيدخلون أيضاً في ملكيّة صاحب الأرض ويرتبطون بالأرض؛ وعندما تُباع تنتقل ملكيّتهم مع ملكيّة الأرض.

رأس المال النقدي، كان موجوداً، لكنّه كان في أغلب الأحيان، يُموِّل الحروب وليس الاقتصاد.

زيادة الثروة، كانت تأتي من الاستيلاء على أملاك الغير عبر الغزوات، وليس من الإنتاج.

بين أواخر القرن التاسع عشر والحرب العالمية الثانية، عرف العالم تخبّطاً بين نظرة جديدة لدور الاقتصاد وماضيه المذكور آنفاً. فأعطت الثورة الصناعيّة دفعاً هائلاً للإنتاج. وأعطى تعميم مفهوم "الأجور التعاقدية" هامشاً واسعاً للعمّال للتخلّص من نظام القنانة (عبوديّة العمل) السابق الذكر. فانتقل مبدأ المكانة الاجتماعيّة من النبلاء إلى أصحاب رؤوس الأموال والمصانع. لكن كانت الأجور متدنية تسمح فقط للأجير بأن يبقى على قيد الحياة، الأمر الذي أفرز نوعاً من العبوديّة المتجدّدة.

وأتت الثورات والعقائد الكلّية والاستعمار، وكلّها تحت عنوان تحرير الإنسان من الاستملاك والجهل وبهدف التمدّن. أسفر كل ذلك عن حربين عالميّتين وأنظمة توتاليتاريّة أفضت إلى تدمير العالم والمجتمعات، وحصدت مئات ملايين القتلى، سقط قسم منهم بطريقة ممنهجة لم يعرفها تاريخ الإنسانيّة من قبل.

بعد الحرب العالميّة الثانية ترسّخت القناعات والوقائع التالية:

عدا بعض الحروب "الإمبرياليّة"، وأغلبها بالوكالة عن القطبين الأميركي والسوفياتي، أصبحت الإنتاج والتجارة والابتكار الوسائل الفضلى لزيادة الثروة.

نضال الطبقات العاملة أكسبها حقوقاً اجتماعيّة من خلال إعادة توزيع قسم من الثروة عبر الضرائب، واكتسبت أيضاً حقوقاً سياسيّة واقتصاديّة من خلال الحصول على رأس مال عن طريق الاقتراض، وخصوصاً حق الرفاهية مع شبه زوال للمكانات الاجتماعية الموروثة.

دخلت على المسرح السياسي والاقتصادي الدول المُستَعمَرَة سابقاً، بعضها من خلال استعادتها سيادتها على مواردها الأوّلية وعرضها في السوق العالميّة، والأخرى بدخولها في ميدان الصناعة والتجارة والابتكار العالميّين.

تراجع خطر المجاعات وتأمين استمراريّة الحياة إلى حدّ كبير، واختفى اكتساب الأرض بالتوسّع العسكري كحاجة حيويّة.

طبعاً هذه الصورة ليست الحقيقة المطلقة لعالمنا. فالأطماع وجشع المجتمع الاسهتلاكي وأنانيّة الـ"نيوليبراليّة" والعقائد الكلّية وهوس بعض الزعماء السلطوي والتوسّعي، لم تختفِ. لكنّنا نرسم هنا صورة عامة لتطوّرات تحوم فوق ما يقارب قرنين من الزمن.

بعد كل ذلك نعود إلى لبنان. تفترض شروط النمو الاقتصادي داخلياَ وخارجياً ما يلي:

داخليًّا، فك الارتباط بين العمل الاقتصادي، في القطاعين العام والخاص على حدٍ سواء، مع التوجّهات والمآرب السياسيّة الضيّقة. فالدولة كلاعب اقتصادي تُمثّل تقريباً 10 في المئة من الاقتصاد الوطني (الموازنة على الدخل القومي)، و30 في المئة من القوّة العاملة. ورقم الـ10 في المئة هو نسبي نظراً إلى الرابط بين قطاع الخدمات، ولا سيّما المصارف، والسياسة الماليّة للدولة. ونحن نشهد أنّ النظام الطائفي والمذهبي هو المحرّك الأساس للسياسات الاقتصاديّة العامة وبعض الخاصة منها، وينجم عن كلّ ما سبق ذكره الزبائنيّة والهدر والفساد وانعدام المحاسبة في القطاع العام وأحيانا الزبائنيّة والفساد في الخاص. هذا الوضع أرهق الاقتصاد اللبناني.

في المقابل، نجد أنّ كلّ المؤسّسات الاقتصادية الخاصة المتحرّرة ذهنياً وعملياً من النظام الطائفي وتداعياته، هي الأكثر نجاحاً وفق المعايير الاقتصادية لجهة المتانة والربحيّة المستدامة، وكذلك اجتماعياً على مستوى العلاقات داخل المؤسّسات، فضلاً عن موقع بعضها كلاعب في الاقتصاد المعولم.

خارجياً، رُبِطَ الاقتصاد اللبناني بمحاور سياسيّة لم تنعكس إلا ضرراً على لبنان بغض النظر عن توجّهاتها. فالنموذج المالي والريعي والـ"نيوليبرالي" المُتّبع منذ العام 1990، والمرتبط سياسياً بالمحور الخليجي الأميركي، فشل. والإصرار اليوم على التوجّه اقتصاديّاً "شرقاً" لاعتبارات سياسيّة مرتبطة بالمحور السوري العراقي الإيراني والصيني، هو بدوره سيقضي على كل ما تبقى من حيويّة اقتصاديّة وبشريّة في لبنان.

فهذه البلدان تعاني من شحٍّ نقديٍ، ومن اقتصادٍ بجانب منه ريعي، إذ يعتمد على النفط ومشتقاته (إيران والعراق) أو اليد العاملة الرخيصة الأجر (الصين) وفساد مستشرٍ يحرم الإنتاج من مقوّمات هائلة، والطموحات التوسّعية تُرهِق الماليّة العامة (إيران) إن لم يكن اقتصادها أصلاً مدمّراً (سوريا والعراق جزئياً).

يضاف إلى ذلك، أنّ القوّة الشرائيّة للمواطن في هذه البلدان متدنية أكثر من لبنان. وكي يحصل تبادل تجاري معها، سيضطر لبنان إلى تقليص قيمة منتجاته وبالتالي إلى خفض أجور عامليه لدخول هذه الأسواق، وسيتدنّى مستوى المعيشة بشكل عام. وسيُحرم لبنان من استغلال طاقاته الإنتاجيّة لمواد وخدمات ذات قيمة مضافة مرتفعة مرتبطة بالمستوى المرتفع للتعليم ومهارت عامليه في شتى المجالات، كون هذا الإنتاج لن يجد أسواقاً له في تلك البلدان.

سيقضي ربط الاقتصاد اللبناني سياسياً بذلك المحور، صاحب الأنظمة الاستبداديّة النافية للحرّية، على ما تبقّى من قوّة فيه. فالحرّية تمثّل ركن الابتكار الذي يتميّز فيه اللبناني داخلياً وفي القارات الخمس، وفقدانها سيُحوّل اقتصادنا إلى "اقتصاد كفاف" أو الحد الأدنى (économie de subsistance) إنْ لم يتحوّل إلى "اقتصاد عجز" (économie de pénurie).

في الخلاصة، تتمثّل مصلحة لبنان الاقتصادية بمعرفة أوّلاً ما هي نقاط قوّته وتطويرها والقضاء على ما يفسدها، أي فك الارتباط داخلياً بين النظام الطائفي والاقتصاد بشقّيه العام والخاص؛ وخارجياً فكّه بين المحاور والاقتصاد. وإبقاء السياسة الخارجيّة مرتبطة بالهويّة اللبنانيّة الجامعة، أي مناصرة القضايا المحقة ومقاومة كل معتدٍ من أينما أتى، لكنّ ذلك يختلف تماماً عن سياسة المحاور التي لا تخدم إلا الأنانيّات الداخليّة والمطامع الخارجيّة.

Commentaires
citoyen libanais
Newsletter
Archives